لطالما اعتُبر التطبيع قضيةً حساسة في الوعي العربي، وتاريخياً ارتبط بالخيانة والخذلان والتفريط بالقضية الفلسطينية. لكن المتغيرات الإقليمية والدولية، إلى جانب الجمود السياسي للقضية، وما تمر به غزة الان من حصار وابادة تدفعنا اليوم إلى إعادة التفكير، ليس بهدف القبول المطلق بالتطبيع، بل بهدف تحويله من تنازل إلى أداة ضغط سياسية. لصالح القضية الفلسطينية بدل أن يكون مكافأة مجانية لإسرائيل، في ظل تسابق عواصم الدول العربية نحو التطبيع والتناغم مع حكومات تل ابيب منها ما هو على استحياء ومن تحت الطاولة ومنها ما وصل إلى التزاوج وفقط ينتظر اشهار الزواج.ليس من الضرورة السكوت على طرح الموضوع فهو يسلط الضوء على منظور واقعي وسياسي معقد تمر به القضية الفلسطينية وأصبح واقع نعيشه في ظل متغيرات الواقع السياسي والجغرافي بالمنطقة. وتاريخياً الرفض المطلق للتطبيع لم يُغيّر من سلوك إسرائيل، ولم يحقق اختراقاً في ملف التسوية. بل على العكس، فإن كثير من اتفاقات التطبيع الحالية لم تربط ذلك بتنازلات إسرائيلية حقيقية تجاه الفلسطينيين، بل أعطت إسرائيل قبولاً عربياً مجانياً، مما جعل إسرائيل المستفيد الوحيد. ومن هنا، فإن التحول المطلوب هو أن تُصبح عملية التطبيع أداة تفاوض مشروطة؛ أي لا يتم إلا بمقابل واضح: وقف الاستيطان، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإعادة الحقوق المشروعة.
التطبيع ليس بالضرورة خيانة للقضية، إذا ما كان مشروطاً بخطوات حقيقية تضمن حقوق الفلسطينيين مثل وقف الاستيطان، احترام حدود 1967، وقيام دولة فلسطينية. فثمة فارق جوهري بين "تطبيع مجاني" و"تطبيع مشروط". الأول يُكافئ إسرائيل بلا مقابل، أما الثاني فيُستخدم كورقة ضغط سياسي، ويُعيد إشراك الدول العربية في التأثير على مسار الصراع. لذلك، فإن مناهضة كل أشكال التطبيع دون تمييز، قد تؤدي عملياً إلى خسارة أدوات التأثير، بل وحتى إلى عزل الفلسطينيين عن الحاضنة العربية الفاعلة.
رفض التطبيع بشكل عاطفي ومطلق، دون طرح أدوات ضغط بديلة أو مواقف سياسية عملية، يُضعف فرص الفلسطينيين في أي تسوية مستقبلية. كما أنه يُتيح لإسرائيل بناء شبكة علاقات بديلة مع قوى إقليمية ودولية دون الحاجة للرضوخ لأي مطالب حقوقية. فالتطبيع مع إسرائيل يجب ألا يكون هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة تُوظف في إطار خطة سياسية مدروسة لخدمة القضية الفلسطينية. وبدلاً من أن نُدين الدول التي تُطبع، يجب أن نُطالب بأن يكون تطبيعها مشروطاً ومرتبطاً بمكتسبات للفلسطينيين. القضية اليوم تحتاج إلى براغماتية سياسية دون التفريط بالثوابت. ومن المهم التعامل الذكي مع التطبيع كأداة سياسية مشروطة قد يخدم القضية الفلسطينية أكثر من الرفض العدمي أو التطبيع المجاني.
مهم جداً تطوير المقال أكثر، وأرفقه بمراجع سياسية حديثة تدعم هذا الطرح