📁آخر الأخبار

*بين وقف الحرب في غزة والتطبيع الإقليمي: ما الثمن الحقيقي؟.. أبو شريف رباح


أعتقد أن التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة تشير إلى أن هناك صفقة كبرى تُطبخ في الكواليس الأميركية عنوانها العريض وقف الحرب على غزة، لكن ثمنها الحقيقي قد يكون أبعد من ذلك بكثير، فالتقارب اللافت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن وقف العمليات في غزة لا يبدو بريئا أو منفصلا عن مشروع إقليمي أوسع يجري تسويقه خلف الأبواب المغلقة في البيت الأبيض.

يبدو أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه إعادة استبدال المشروع العربي مع إسرائيل بصيغة جديدة عبر مشروع "التطبيع الإقليمي" الذي يشمل دولا عربية وإسلامية وأفريقية لم تنخرط سابقًا في "اتفاقيات أبراهام" وبالتالي فإن وقف الحرب على غزة يطرح كورقة تفاوض لا كضرورة إنسانية أو التزام أخلاقي تجاه معاناة أهالي القطاع.

الرئيس ترامب يسعى إلى تحقيق اختراق في هذا المشروع ليعزز صورته كرجل صفقات ناجح فيما يحاول نتنياهو استغلال الموقف لتعزيز وضعه الداخلي المتأزم، فهو لا يريد وقف الحرب كتراجع مجاني بل يسعى إلى انتزاع مكاسب ميدانية على الأرض في غزة قبل إعطاء موافقته النهائية على المشروع الأميركي، لذلك رفع السقف وأشعل الجبهة في غزة، وصعّد في لبنان وهدّد إيران.

من هذا المنطلق، لا يبدو التصعيد الإسرائيلي مجرد رد فعل عسكري بل هو جزء من استراتيجية مدروسة لرفع سقف الثمن المطلوب من الولايات المتحدة والدول العربية مقابل الموافقة على وقف العدوان فكلما اشتدت العمليات في غزة بدا وقف الحرب أكثر كلفة وكلما ارتفعت المطالب السياسية والأمنية والاقتصادية لإسرائيل من واشنطن.

لذلك لم يتوقف التصعيد عند غزة بل امتد إلى الجنوب اللبناني حيث شهدت محافظة النبطية سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة استخدمت فيها القنابل الارتجاجية والأحزمة النارية في تصعيد خطير يعكس رغبة إسرائيلية في توسيع رقعة الضغط وتوجيه رسائل نارية لأكثر من طرف.

وسط هذه الأجواء الترامبية "المتفائلة"، واللعب بالنار من قبل نتنياهو، تتضارب التوقعات حول الوجهة المقبلة للتصعيد فبينما يرى بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين أن الضربة المقبلة قد تطال أهدافًا إيرانية يرجح آخرون أن تكون المفاجأة قد تكون في لبنان حيث تلعب الجبهة مع حزب الله دورا محوريا في معادلة الصراع الإقليمي.

فالمناورات الإسرائيلية والتصعيد الإعلامي والعسكري تؤكد أن تل أبيب تسعى لإبقاء الجميع في حالة ترقّب وهو أسلوب معتاد في تكتيكات بنيامين نتنياهو الذي يجيد اللعب على حافة الهاوية في مثل هذه الأزمات.

وأعتقد أننا أمام مشهد معقد ومفتوح على جميع الاحتمالات فنهاك صفقة تطبيع إقليمي تطبخ بهدوء في مطابخ السياسة الأميركية يرافقها مقايضة دموية تحاول إسرائيل فرضها في غزة وتصعيد متعدد الجبهات قد ينفجر في أي لحظة باتجاه إيران أو جنوب لبنان.

من هنا، يبقى السؤال الأهم هل يدرك العرب والمسلمون أن ثمن التطبيع هذه المرة قد لا يدفع فقط من غزة، بل من الأمن القومي العربي والإقليمي برمته؟.
30/6/2025
تعليقات