📁آخر الأخبار

قد تأخر الوقت والأمر كثيرًا لأجل إنقاذ الحياة في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة...!.. بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس


لم يعد بالإمكان الاستمرار في تجاهل الحقائق الميدانية والسياسية التي تتكشف يومًا بعد آخر، في قطاع غزة خاصة، وعلى امتداد الجغرافيا الفلسطينية عامة. لقد تأخر الوقت كثيرًا، وضاقت فرص الإنقاذ الفعلي للحياة والمستقبل الفلسطيني، ليس فقط بفعل الجرائم المستمرة للاحتلال الإسرائيلي، وإنما نتيجة تعقيد وتشابك الأدوار الإقليمية والدولية، بما فيها تلك التي تتستر خلف شعارات الدعم والمقاومة، بينما تُنفّذ عمليًا أجندات تخدم الاحتلال وتُكرّس واقعًا كارثيًا في الأراضي الفلسطينية.

في هذا السياق، يبرز بوضوح الدور المزدوج الذي تؤديه كل من قطر وحركة حماس.

فمنذ سنوات، لم يعد الدعم القطري لحركة حماس في قطاع غزة مجرد مساعدة إنسانية أو سياسية، بل تحوّل إلى رافعة لتعزيز الانقسام الداخلي، وتضخيم قدرات الحركة العسكرية والإعلامية على حساب وحدة القرار الوطني الفلسطيني. لقد أُعيد إنتاج قطاع غزة ليغدو ساحة دائمة للاشتباك والموت، بينما يُدار هذا الاشتباك ضمن سقف سياسي وظيفي لا يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها تل أبيب وواشنطن.

إن التعامل مع قطاع غزة كمزرعة لإنتاج "مشاريع شهادة" وفق الفهم الخاص لحركة حماس، دون أفق سياسي حقيقي أو رؤية وطنية شاملة، لا يخدم القضية الفلسطينية، بل يُستخدم لتكريس صورة نمطية للعنف المفرغ من مضمونه التحرري، ويُستثمر في سياقات إقليمية تفتقد إلى مشروع نهضوي جامع.

من جهة أخرى، تواصل إسرائيل استغلال هذا الواقع المنكفئ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية: تفكيك المجتمع الغزي، وتدمير بناه التحتية، ودفع سكانه نحو الهجرة القسرية، بالتوازي مع تسريع مشاريع الاستيطان والضم في الضفة الغربية، وترسيخ الأمر الواقع في القدس. وهكذا، يتحقق السيناريو الأخطر: القضاء على إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة، عبر تفكيك الأرض والهوية والوحدة الوطنية.

في خضم هذا المشهد، لا يمكن تجاهل الأدوار الإعلامية التي تُسهم في شرعنة هذا المسار، وعلى رأسها قناة الجزيرة التي تحوّلت، منذ سنوات، إلى أداة موجهة لتضخيم سردية حماس، وتغييب الرواية الوطنية الجامعة. ومن خلفها، يظهر تأثير قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر كعنصر حاسم في ضبط الإيقاع السياسي والإعلامي بما يخدم الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية لما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد"؛ شرق بلا هوية قومية، وبلا ثقافة عربية جامعة، وبلا فلسطين.

إن هذا الواقع لم يعد خافيًا على أحد. وقد آن الأوان لمساءلة الأدوات والأجندات، لا سيما حينما تكون النتيجة تدمير حياة الفلسطينيين في غزة والضفة، وذبح الحلم الوطني باسم شعارات زائفة، أو مشاريع حزبية ضيقة.

إن ما يجري اليوم لا يمكن قراءته خارج سياق التوظيف السياسي لمأساة غزة، واستثمارها في صفقات إقليمية ودولية تُدار بمعزل عن الإرادة الوطنية الفلسطينية. وبالتالي، لا بد من دق ناقوس الخطر: المشروع الوطني الفلسطيني مهدد في جوهره، لا فقط بفعل الاحتلال، بل أيضًا نتيجة تفكك الجبهة الداخلية، وارتهان بعض القوى إلى أجندات خارجية.

قد تأخر الوقت كثيرًا، ولكن لم ينتهِ بعد. ما زالت هناك فرصة لإعادة توحيد الصف الوطني، واستعادة القرار الفلسطيني المستقل، وبناء مشروع تحرري جامع، يستند إلى الشرعية التاريخية والنضالية للشعب الفلسطيني، لا إلى التمويل المشروط ولا إلى التحالفات المؤقتة.

فإذا أُريد لفلسطين أن تبقى، فلا بد من تحرير غزة من كونها ساحة وظيفية، وإعادتها إلى قلب المشروع الوطني. ولأجل ذلك، لا يكفي الصمت، بل يتطلب الأمر مواجهة صريحة مع كل الأدوات التي أسهمت في صناعة هذا الخراب.

لقد تأخر الوقت كثيرًا، ولكن لا يزال ممكنًا إنقاذ الحياة، إذا وُجد الوعي، وارتفعت الإرادة فوق الحسابات الضيقة .

د.عبدالرحيم جاموس

19/5/2025

تعليقات