غزة اليوم ليست مجرد مساحة جغرافية منكوبة ولا ورقة تفاوض، بل ميدان الصراع الحقيقي على فلسطين الدولة، وعلى مشروعها الوطني التحرري بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. إن ما جرى في 7 أكتوبر 2023 لم يكن انفجارًا عفويًا، بل تتويجٌ لمرحلة طويلة وممنهجة من تدمير الهوية الوطنية الجامعة، بدأها الانقلاب الدموي لحركة حماس في صيف 2007، حين تمزقت خريطة الوطن سياسيًا وجغرافيًا، وتحوّلت غزة إلى كيان وظيفي يخدم أجندات إقليمية ودولية لا علاقة لها بالمشروع الوطني الفلسطيني.
7 أكتوبر 2023 م : هو عقدة الحرب وأداة التفكيك....!
ما يسوَّق اليوم على أنه "صراع مقاومة ضد الاحتلال" يخفي تحته صراعًا خفيًا وناعمًا بين واشنطن وتل أبيب على مستقبل غزة، وحسم شكل الخارطة الإقليمية الجديدة.
غزة ليست موضع تضامن إنساني في نظرهم، بل جائزة جيوسياسية يتنافس عليها ترامب ونتنياهو لتحقيق مشاريع الهيمنة.
ترامب يرى في غزة منصة استراتيجية على المتوسط، بوابة للممر التجاري الجديد بين الخليج وأوروبا، وركيزة لميناء دولي متقدم يُدار بواجهة إنسانية، وبجوهر استخباراتي–اقتصادي أمريكي.
في المقابل، يرفض نتنياهو حتى هذه المشاركة الرمزية لحليفه الأمريكي.
فغزة، بالنسبة له، عمق أمني، وخزان غاز، وممر جغرافي يربط إسرائيل بالمحيط العربي والدولي ويمنحها السيطرة على عقدة التجارة الإقليمية.
ورغم تباين الأدوات، إلا أن كليهما متفقان على جوهر واحد: هو قبر المشروع الوطني الفلسطيني، وفرض واقع جديد يُستثنى منه الشعب الفلسطيني كمقرر لمصيره، وتُدفن فيه منظمة التحرير باعتبارها عقبة في وجه التسوية الأمريكية–الإسرائيلية.
حماس: من المقاومة إلى الأداة...!
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور حركة حماس، التي تحولت من فصيل مقاوم إلى أداة إقليمية يتم توظيفها لتعميق الانقسام وتفخيخ كل محاولة لبناء وحدة وطنية.
منذ انقلاب 2007، لعبت حماس الدور الوظيفي الأخطر في ضرب أسس المشروع الوطني الفلسطيني، وشكّلت جسراً للتدخلات الإقليمية وتصفية القضية. وقد أصبح واضحًا أن بعض القوى الإقليمية المؤثرة، والتي تتبنى شعارات "دعم المقاومة"، تنسق في الواقع مع المشروع الأمريكي–الإسرائيلي عبر أدوات سياسية ومالية وإعلامية، تضمن إبقاء غزة خارج دائرة الشرعية الفلسطينية.
غزة ليست جثة يُتنازع عليها...!
إن الحديث عن من "سيفوز بغزة" – واشنطن أم تل أبيب أم حماس – يُخفي حقيقة أن غزة ليست جثة هامدة بانتظار من يقتسمها، بل هي قلب نابض لهوية فلسطينية لا تموت، ومفتاح الدولة الفلسطينية القادمة، لا أحد يملك حق مصادرة هذا المصير، لا بالاحتلال ولا بالوكالة ولا بالانقلاب.
فمنظمة التحرير الفلسطينية، رغم محاولات الإقصاء، تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي وحدها القادرة على إنهاء الانقسام، واستعادة وحدة الوطن، وإعادة غزة إلى مسارها الطبيعي كجزء أصيل من دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
مصر ورفض التهجير...!
لا يمكن أيضًا إغفال الدور المصري في تعطيل مشاريع التهجير الجماعي، حيث كانت القاهرة – رغم الضغوط الهائلة – صمام أمان حال دون تمرير المخطط. غير أن القوى المتآمرة تعمل اليوم على تأمين بدائل للتهجير، وخلق ظروف إنسانية كارثية تدفع السكان دفعًا نحو الخروج "الطوعي".
الدولة الفلسطينية آتية لا محالة ...!
الدمار في غزة ليس عبثيًا. والدم الفلسطيني ليس عابرًا. والهوية الوطنية الفلسطينية ليست قابلة للتفكيك.
غزة لن تكون مشروعًا اقتصاديًا عابرًا، ولن تتحول إلى مقاطعة خاضعة لإدارة دولية أو إقليمية. من يريد أن يراهن على تغييب فلسطين من خلال تدمير غزة، يجهل أن الجغرافيا لا تُمحى، وأن الشعوب لا تُهزَم بالحصار ولا بالقصف.
غزة، رغم الجراح، ستبقى فلسطينية. وستعود إلى حضن الدولة القادمة، الدولة التي لن تُبنى إلا بقيادة منظمة التحرير، وبوحدة شعبها، وإرادة أحرارها.
أما من يتوهم الفوز بغزة على جثث الفلسطينيين، فليعلم أن غزة لا تموت... بل تتجدد وتنتصر.
ولا منتصر إلا فلسطين.
د. عبد الرحيم جاموس
22 أيار/مايو 2025
Pcommety@hotmail.com