تمكّنت المقاومة الفلسطينيّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ حركة حماس، من إشعال الأمور في الداخل الإسرائيليّ بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه، الذين تظاهروا بعشرات الآلاف ليلة أمس الأحد في عدّة مدنٍ في الكيان، أهّمها تل أبيب، مُطالبين رئيس الوزراء بالتوقيع على صفقة تبادل أسرى مهما كان الثمن مرتفعًا، على حدّ تعبيرهم.
من ناحية أخرى، تأججت الخلافات بين نتنياهو ووزير الأمن يوآف عالانت، على هذه الخلفية، وبحسب (يديعوت أحرونوت) العبريّة فإنّ نتنياهو يخشى من إقالة غالانت بسبب الغضب الجماهيريّ الذي سيحدث عقب ذلك، لذا أضافت المصادر المُقربّة منه أنّه ينتظر أنْ يقوم غالانت نفسه بتقديم استقالته.
وفي السياق، نقلت صحيفة (هآرتس) العبرية، اليوم الاثنين، عن عضوٍ بارزٍ في حكومة بنيامين نتنياهو قوله؛ إنّ “نتنياهو كان يعلم أنّ هناك أوامر بقتل الأسرى إذا كانت هناك محاولات لإنقاذهم، لقد فهم أهمية أوامره وتصرف بدمٍ باردٍ وبقسوة“، على حدّ تعبيره.
وأضاف المسؤول، أنّ “الجميع يعرفون أنّه (نتنياهو) نرجسيٌّ وجبانٌ. لكن افتقاره إلى الإنسانية ظهر بشكلٍ كاملٍ وقبيحٍ في الأشهر الأخيرة“، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ “نتنياهو كان يعلم أنّ الرهائن يعيشون على وقتٍ مستعارٍ، وأنّ الرمال في ساعتهم الرملية تنفد“، على حدّ تعبير المسؤول الإسرائيليّ الرفيع.
إلى ذلك، ما زالت قضية تصويت الكابينت ليل الخميس الجمعة على قرار بقاء جيش الاحتلال في محور (فيلادلفيا) تتفاعل، هذا ما يعكسه الإعلام العبريّ الذي نشر ما دار في جلسة المجلس الوزاري المصغّر، حيث قال وزير الأمن الإسرائيليّ، يوآف غالانت، إنّ “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فرض خرائط محور فيلادلفيا على الجيش”.
وردًا على ذلك، غضب نتنياهو وطرق على الطاولة وطلب إحضار الخرائط إلى الوزراء من أجل التصويت واتخاذ القرار بشكلٍ ديمقراطيٍّ، وفق ما نقلت القناة الـ 12 في التلفزيون العبريّ.
هذه الخطوة جاءت بعد أنْ حاول غالانت، بحسب مقربين من رئيس الوزراء، تصوير نتنياهو كشخص يتخذ القرارات بطريقة دكتاتورية، على حدّ تعبيرهم.
وخلال المناقشة، رأى غالانت أنّ “بإمكان رئيس الوزراء أنْ يتخذ جميع القرارات، ويمكنه أيضًا أنْ يقرر قتل جميع الأسرى”. هنا نتنياهو غضب وطرق على الطاولة وقال “لقد سئمتُ من التسريبات المتواصلة، وأنا الآن أطرحه للتصويت”.
وعلى ما تورد القناة 12، قدّم غالانت في الجلسة وثيقة وُصفت بالمهمة يطالب فيها بوقف إطلاق النار واتفاق تبادل أسرى.
وتسلط هذه الوثيقة التي تمثل موقف المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، الضوء على العواقب الكارثية المحتملة على دولة الاحتلال إذا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
وثيقة غالانت ترى أنّ إسرائيل تقف عند مفترق طرق إستراتيجيّ، وهو يؤكد فيها أيضًا أنّ قبول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ووضع اللمسات النهائية عليه لن يسمح بعودتهم فحسب، بل سيُمهّد الطريق أيضًا لتسوية دبلوماسية لتخفيف التوترات مع حزب الله على الحدود الشمالية ومنع نشوب حرب إقليمية، وهذا قد يزيد من فرص تخلّي إيران عن خططها الانتقامية بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران الشهر الماضي، وفق زعمه.
وتتحدث معلومات القناة الـ 12 عن أنّ غالانت حذّر من المخاطر التي قد ينطوي عليها فشل إسرائيل في التوصل إلى اتفاق. وفي هذا السيناريو، لن يظل الأسرى مُحتجزين فحسب، بل إنّ اسرائيل ستواجه خطرًا وشيكًا يتمثّل في التدهور إلى حرب متعددة الجبهات.
مهما يكُن من أمر، فإنّه بات واضحًا أكثر من أيّ يومٍ مضى أنّ نتنياهو يضع العراقيل أمام إبرام صفقة التبادل، لأنّ الموافقة عليها والتوقيع عليها ستكون بمثابة صورة الانتصار لحركة (حماس) وزعيمها يحيى السنوار، علمًا أنّه في حال الموافقة عليه فإنّ حكومته ستسقط بشكلٍ أوتوماتيكيٍّ لأنّ حزبيْ (القوّة اليهوديّة) بقيادة الإرهابيّ إتمار بن غفير، وحزب (الصهيونيّة الدّينيّة) بزعامة بتساليئيل سموتسريتش سينحسبان من الحكومة، الأمر الذي سيُفقدها الأغلبيّة البرلمانيّة، ومن هناك فإنّ الطريق ستكون مفتوحةً لإجراء انتخاباتٍ عامّةٍ، وهو الأمر الذي يخشى منه نتنياهو لأنّ استطلاعات الرأي تؤكّد أنّه سيفشل بالعودة لمنصب رئيس الوزراء.
والسؤال الذي سيبقى مفتوحًا: هل الخلافات الداخليّة في الكيان قد تؤدّي لحربٍ أهليّةٍ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ وزارة الأمن القوميّ بقيادة الإرهابيّ بن غفير وزعّت مسدسات على أكثر من 13 ألف إسرائيليٍّ، الأمر الذي دفع لإجراء تحقيقٍ في الأمر.
يُذكر أنّ المجلس السياسي – الأمني المصغّر في الدولة العبريّة اتخذ القرار بأغلبية ثمانية مؤيّدين، مقابل معارضة واحدة (يوآف غالانت) وامتناع واحد عن التصويت (وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير)، وصادق على الخرائط التي تحدد بقاء الجيش في محور (فيلادلفيا)، كجزءٍ من صفقةٍ محتملةٍ لإطلاق سراح الأسرى، كما جاء في الادعاء الإسرائيليّ.