أخر الاخبار

الناقد أ.د نبيل أبو علي: الفنان هو ضمير المجتمع وظيفته التثوير وقت الهزائم

 


 * على السياسي أن يتوقف لأنه أصبح مصاباً بالعجز وأضاع الأمة

* سقوط شعار الدم الفلسطيني محرم آلم المثقف الفلسطيني وانكفاء الأخير على ذاته قتل المشهد الثقافي الفلسطيني

* الشقاق كان وارداً وسيبقى قائماً حتى تتخلى عنا مرجعياتنا في الخارج أو نتخلى عنها

* صراعنا ليس مع اليهود كيهود وإنما مع الاحتلال ونؤمن بالديانة اليهودية أكثر من اليهود

 

غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون

 

اختلف السياسيون الفلسطينيون مراراً على تسمية الحكومة الفلسطينية في محطات زمنية متعاقبة، فمنهم من كان يدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وآخرون دعوا إلى حكومة تكنواقراط، واليوم بتنا نسمع عن حكومة توافق وطني، لكن الأمر الجديد الذي لم نسمع عنه من قبل هو تشكيل حكومة مثقفين.. الناقد الأستاذ الدكتور نبيل أبو علي، نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني، كان أو من طرح هذه الفكرة، وبدا مدافعاً عنها في ظل ما وصفه عجز السياسي الذي أضاع الأمة، مطالباً السياسي ألا يتمادى في هذا العجز.. كلمات أطلقها الناقد أبو علي خلال حديث خاص أجرته معه "البيادر السياسي" قد لا تروق لبعض السياسيين، وقد يستهجنها البعض الآخر، لكنها بالتأكيد تلقى استحساناً وتأييداً في أوساط المثقفين الفلسطينيين الذين انكفوا على أنفسهم في هذه المرحلة حسب تعبير أبو علي نتيجة ما وصلت إليه الأمور على الساحة الفلسطينية من انقسام وتشرذم، وخشية تعرضهم للبطش والقمع ليس من احتلال بغيض استهدف الإنسان والكيان الفلسطيني عبر عقود ستة مضت، وإنما من شقيق ورفيق درب.

هذا وفيما يلي نص الحوار.  

 

علاقة جدلية

*المشهد الثقافي الفلسطيني يعاني من انتكاسة حقيقية خاصة بعد حالة الانقسام التي عصفت بالأراضي الفلسطينية، بعد أن شهد نهوضاً ملحوظاً مع قدوم السلطة.. كيف تقرأون تطورات المشهد الثقافي الفلسطيني منذ قدوم السلطة وحتى الآن؟

- بداية دعنا نتحدث عن المشهد الثقافي منذ قدوم السلطة، حيث شهد قطاع غزة بشكل خاص -لأنني شاهد عليه- والحركة الإبداعية في فلسطين بشكل عام حركة ازدهار غير مسبوقة، وكأن دماءً جديدة بثت في المشهد الثقافي الفلسطيني، وبدأت طموحات الناس أكثر بكثير من الاتفاق السياسي والواقع السياسي، حتى بتنا نستضيف معارض كتاب دولية ونستقطب كبار المثقفين في بعض المؤتمرات في الجامعات الفلسطينية، وازداد الحلم مع وجود مطار غزة وحالة توحي بالاستقرار، وأصبحنا نناقش الواقع والقضايا السياسية، فإذا أردت أن أتحدث عن مفردات الثقافة الفلسطينية، فلا بد أن أذكر من الفيلم إلى المسرح، إلى التلفزيون الذي نشأ في ظل السلطة، والذي لم يكن من قبل، إلى الإذاعة، ثم إلى الكتاب والنشر وإلى غير ذلك من المنابر الثقافية التي بدأت تدب فيها الحياة، وبعضها ولد في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية.. كما بدأ اتحاد الكتاب فاعلاً بعد ضعف، حيث بدأ في كل أسبوع أو أسبوعين حلقة ثقافية، وكذلك المجلات والصحف المتنوعة كمركز الرأي للإعلام والنشر وغيرها كانت تعقد ندوات ثقافية بين الفينة والأخرى، كذلك المراكز الخاصة مثل مركز الشاطئ الثقافي ومركز المسحال الثقافي أصبح يشهد هذه اللقاءات التي كان الهدف منها مناقشة أعمال وتشجيع كتاب ورعاية مواهب إلى غير ذلك، ولو انتقلنا إلى التلفزيون الفلسطيني نجد أنه خلق حالة من التنافس بين الكتاب، وأصبحنا نرى من يكتب للتلفزيون، وكذلك الإذاعات الرسمية والشعبية أو الجهوية التي كانت موجودة في ساحات الوطن عامة، حيث كان الهم الثقافي واحداً من بين  انشغالاتها، وهذا كله كان كفيلاً بخلق حالة جديدة من الإبداع والطموح الذي أصبح يتحدث عن تحرير وطن ومقدسات وغير ذلك، وهنا لا بد أن أشير إلى أن العلاقة بين السياسي والثقافي علاقة جدلية.

 

الثقافي والسياسي

* عفواً على المقاطعة.. العلاقة بين السياسي والثقافي هي السؤال الأخر الذي كنت أود أن أطرحه عليكم.. كيف تصف لنا هذه العلاقة ؟ وهل كان الثقافي تابعاً للسياسي، أم أن الأخير استفاد من خبرات الثقافي؟

- العلاقة بين الثقافي والسياسي كما قلت جدلية.. في أحيان كثيرة يكون الثقافي رائداً وقائداً وموجهاً، والسياسي ينتفع من خبراته، وفي أحيان أخرى أيضاً يتأثر الثقافي بالسياسي، وانتكاسة السياسي تنعكس على الثقافي والمشهد ككل، وتفاؤل السياسي واستقرار الواقع السياسي يؤدي إلى نهضة ثقافية، فالعلاقة تبادلية، هذا يؤثر في ذاك، وذاك يؤثر في هذا، وحينما نتقدم في الواقع السياسي سنجد سنوات قليلة والانتعاش على أشده والحركة الثقافية على أشدها، وأصبحنا نباهي بأسماء لم تكن معروفة من الكتاب، حتى وصلنا إلى أدب السجون وبدأنا نستقطب، وأصبح الكتاب يطوقون إلى سماع أرائنا ومناقشاتنا لأعمالهم فيخرجوها بشتى الوسائل لكي نناقشها، وأذكر أنني قدمت كتاباً ببحث رائع اسمه" رياحين بين مفاصل الصخر" وكان يتحدث عن أدب السجون، حيث وصلت الحالة إلى تفاؤل من في المعتقل، لكن حينما بدأت تتراجع مفاوضات السلام وبدأ الكيان الصهيوني يعود عن التزاماته بدأ المشهد يتراجع، وكأن الإنسان أصبح لا بال له ولا اهتمام بالثقافة، وأصبح الاهتمام الأكبر بالسياسة، وهذا ينتج لوناً آخر من الكتابة وهو اللون المثور أو المنور أو المقاوم.

 

* هل تقصدون أن الأدب الفلسطيني في هذه المرحلة بدا ينحو منحاً آخر؟

- نعم بدا ينحو منحى سياسياً محضاً، بعد أن كنا نناقش قضايا مرأة وفقر وقضايا وجدانية بشكل عام، عدنا لنناقش العلاقة بين الفلسطيني والآخر، وكيف ينكل الآخر بالفلسطيني، وكيف ينكل عن اتفاقاته والتزاماته.. لم أقل أنه أمات المشهد الثقافي الفلسطيني، وإنما بقي المشهد قوياً، ولكن في اتجاه واحد، حيث حصر اتجاهات وأبقى اتجاهاً، حينما كنا نشاهد مسرحية" ولد وبنت" التي تتحدث عن علاقة وجدانية معينة مع أسرة، أو مسرحية" الأستاذ خصوصي" التي كانت قبل الاحتلال وبعثت في الاحتلال، أو "نجوم أريحا" أو غير ذلك من المسرحيات الكثيرة، كان بعض هذه المسرحيات يهتم بالطفل وثقافات الطفل، والبعض الآخر يهتم بالهموم الاجتماعية والوجدانية إلى غير ذلك، وبعد هذا أصبحنا فقط ننكمش لنتحصن في موقع مواجهة ومجابهة المتغير السياسي، وقرصنة المحتل لأن كل أفعاله كانت قرصنة، وهذا بالطبع أعاد السمة السابقة وهي الغالبة عبر العصور وهي سمة الأدب المقاوم للأدب الفلسطيني، ثم وصلنا إلى انتفاضة الأقصى التي كانت ردة فعل الكيان الصهيوني عليها لا إنسانية، وهذا وجه وجهة الأدب الفلسطيني، وجهة أكثر ضيقاً في المجابهة، حيث أصبح يتحدث عن معاناة الناس والمصائب التي حلت بهم، ومخيم جنين وما أصابه، وعن الدمار وغيره، وأصبت هذه المفردات من مفردات الثقافة الفلسطينية، وإذا ما وصلت إلى ما حدث بين الإخوة الذين كانوا يرددون على مدار الزمن الدم الفلسطيني محرم، فإنه في الحقيقة آلمت سقوط هذا الشعار المثقف والأديب والفنان، لأن الفنان هو ضمير ووجدان المجتمع  والإحساس المرهف الذي يتأثر كثيراً، وظيفة هذا الضمير أن يثور وقت الهزائم، ولكن إذا كانت الهزائم والتنكيل من أنفسنا بأنفسنا سنجد حالة من التشاؤم، وليس هنالك لا تثوير ولا تنوير، بل انكفاء على الذات، هذا الانكفاء أكاد أن أزعم أنه قتل المشهد الثقافي تماماً، والأصوات التي تسمعونها هنا وهناك هي عبارة عن أصوات تمثل حالات النزاع في المشهد الثقافي.. قد يقول المتفائلون أو الذين يريدون أن يجملوا الواقع أن الأمر ليس كذلك، ولكن هنا نسأل أين ذهب الأديب الفلسطيني ؟.. لقد انكفأ على ذاته وتحول إلى إنسان مقهور يخشى على ذاته ونفسه من أخيه، وبالتالي بات يخشى أن يكتب شيئاً فلا يروق سين أو صاد فينعكس عليه سلباً.. أذكر في الماضي كنت عقدت ندوة كاملة في مركز الرأي للإعلام والنشر بعنوان"ماذا نكتب في المرحلة المقبلة ؟" وكنت أفتح نافذة الأمل للكتاب أننا انتهينا الآن من المجابهة مع المحتل وجاء الأهل وقامت السلطة.. إذا احلموا للناس بمجتمع جميل.. ابنوا لهم مجتمعاً فاضلاً، وقد كان ذلك، لكن الآن ماذا يفعل الفنان ؟ وماذا يكتب ؟ هل يبرر القتل، أم يحث عليه؟! هل يثور أخاه على أخيه؟ لا يجوز ذلك، فهذا هو سبب ضعف المشهد الثقافي الفلسطيني في المرحلة الراهنة، وما تسمعه من أصوات خافتة هنا وهناك قد تكون أصوات جهوية الغاية منها سياسية وليست ثقافية، أو أصوات تعبر عن مأساتها بطريقة ضعيفة جداً لأنها لا تستطيع أن تبوح بكل ما تعاني به، والبوح أصبح قد يكلفها حياتها أو معاناة من شكل آخر.

 

غير متفائل

* من خلال متابعتكم لمجريات الأمور على الساحة الفلسطينية.. إلى أي مدى ممكن أن يستمر هذا الواقع؟

- قد يقال عني في مرات ماضية أنني متفائل دائماً، وأرى أنه لا بد من التفاؤل، والتفاؤل سيؤتي ثماره.. اليوم أراني متشائماً جداً ولا أدري لعلي اكتويت بنار ما حدث، ثم أكتوي الآن بتعثر مفاوضات الإخوة بين بعضهم البعض وتشددهم على بعضهم البعض بطريقة لا يتخيلها واعي مثقف، وأصبحت المفاوضات لها مرجعيات خارج نطاقنا الفلسطيني، الأمر الذي لا يبشر بخير، لأن الفلسطيني هو أدرى بهم الفلسطيني وبحاجاته، أما من عاش خارج فلسطين ويريد أن يحل الشقاق بين الأخوين فلا أراه جاداً فيما يسعى إليه، وعندي دلائل وقرائن، فإذا كنت أقصد قوى معادية، فهي معادية بطبعها وتتنكل وتشترط علينا أو على بعض الفرق منا، وإذا كنت أقصد دولاً عربية تتحكم فينا، فأين هي هذه الدول التي نناشدها منذ النكبة حتى اليوم ولم تفعل لنا شيئاً ؟، هل ستفعل لنا الآن مصالحة أم أنها الورقة الرابحة التي تتاجر بها لتسوية خلافات بينها وبين دول أخرى ومصالح شخصية وخاصة ؟!!.. هذا يجعلني غير متفائل.

 

* من وجهة نظركم كأديب فلسطيني.. كيف يمكن تحقيق المصالحة الوطنية؟

- لا بد من إفساح المجال للمثقف.. على السياسي الآن أن يتوقف لأنه أصبح مصاباً بالعجز، ولا يتمادى في هذا العجز لأنه أضاع الأمة، فليفسح المجال لنخبة من المثقفين، فالمثقف الآن لا يبعد كثيراً عن السياسي، بل ُعجن بماء السياسة.

 

* هل معنى ذلك أنكم تدعون إلى تشكيل حكومة مثقفين؟

- من غير ذوي الألوان الفاقعة.. مثقف انتماؤه الحقيقي وأيديولوجيته هي الثقافة.. الثقافة الصافية وطن، وإسلام وانتماء للدين بكل أنواع الدين.. خلافنا مع اليهود ليس مع اليهود كيهود، فنحن نؤمن بالديانة اليهودية أكثر منهم، وإنما خلافنا مع الاحتلال، وهذا الاحتلال له سياسات صهيوصليبية، وأريد أن أذكر هنا أن اليهود الخُلص في العالم يرفضون مواساة الكيان الصهيوني، لأن الصهيوصليبية تتعارض مع الديانة اليهودية أصلاً.

 

القدس لن تسمع أحد

* اختيرت القدس لتكون عاصمة الثقافة العربية هذا العام.. كيف جاء هذا الاختيار؟ وما هي دلالاته؟

- في الحقيقة اختيار القدس كعاصمة للثقافة العربية له مناسبة طريفة، حيث كان وفد حكومة الوحدة الوطنية التي كان فيها أخي الدكتور عطالله أبو السبح وزيراً للثقافة، كان وفدها مجتمعاً في جامعة الدول العربية لاختيار عاصمة ثقافة، وكان الاتفاق المسبق والترتيب محجوز للعراق، فعندما اعتذر وفد العراق عن استضافتها نظراً للأحداث السياسية والعسكرية لديهم، هب الدكتور أبو السبح فعرض عليهم أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية، فاستحسنوا الفكرة أن تستضيفها فلسطين، ثم بعد ذلك حدث ما حدث، حيث كانت الاستضافة قبل الانقسام، ولما جاء الانقسام كان البعض يتساءل كيف سيجري الاحتفال ؟ هل سيجري احتفالان كل يحتفل على طريقته؟ كان عندي تفاؤل في الماضي وقلت ما تفرقه السياسية توحده الثقافة، ولا ينبغي ألا يتدخل أحد في المثقف والمشاهد الثقافية، ولكن سأقولها صراحة لن يتمكن أحد ممن ينتمون لحماس من إقامة مهرجان لصالح القدس في الضفة، ولن يتمكن أحد من الذين ينتمون لرام الله من إقامة مهرجان لصالح القدس في غزة، وبالتالي أصبح الاحتفال في وطنين أو بلدين منفصلين، هذا لا يسمع صوت ذاك، وذاك لا يسمع صوت هذا، وأظن أن القدس لن تسمع أحداً.

 

* هل كان لذلك انعكاسات على الصعيد العربي؟

- كما رأيت حتى في رام الله حينما جاءت بعض الوفود الرسمية، هي وفود قليلة جداً لا تمثل شيئاً وليست من الصف الأول لحضور هذا الاحتلال، ولو كان الأمر في وحدة لحضرت كل الوفود الممثلة في جامعة الدول العربية كما يفعلون في البلدان الأخرى.

 

* هل فقد هذا الاختيار للقدس كعاصمة للثقافة العربية بريقه؟

- بالتأكيد.. واللون فاقع وأتحدى إن كان في بعض مدن فلسطين من سمع عن احتفال أو يعنيه لأنه الآن أصبح مشغولاً في قطاع غزة ببيته المهدوم أو بطعمه المفقود، وفي الضفة الغربية بالاجتياحات الإسرائيلية المتكررة والكنتونات التي أضحت وأصبح الفلسطيني حتى لو كان يريد أن يشارك في هذه الاحتفالات لا يستطيع، فإذا كانت القدس بين أيدينا هناك ولا يستطيع حتى رئيس السلطة الفلسطينية الوصول إليها، ولا يستطيعون أن يرفعوا إليها شعاراً، حيث نقلت الاحتفالات إلى مكان آخر، وبالتالي فهي احتفالات رمزية، لكنها خافتة الصوت، مع ادعاء القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية أن لها عواصم تحتفل في الخارج، ومع وجود عواصم لحماس في الخارج وكل يحتفل على طريقته، ولكن هنا فلا أتخيل أنني العربي الذي يسمع المشهد ؟ وسأسأل نفسي أيهما الذي ينتمي للقدس أو يعبر عنها ؟ أم هنالك قدسان، قدس لسلطة غزة وأخرى لسلطة رام الله؟!.. الأمر محير ومربك.

 

ثقافات دخيلة

* يعزو الكثيرون أسباب ما حدث في غزة من انقسام إلى ما يسمى بالثقافات الدخيلة التي غزت المجتمع الفلسطيني، خاصة ثقافات التخوين والتكفير وعدم تقبل الآخر.. هل تتفقون مع ذلك؟ وهل الأزمة هي أزمة ثقافة بالدرجة الأولى؟

- الثقافة كانت كفيلة بتسوية الأمور والخلافات، وكما قلت لك قد يكون للثقافات أثر، ولكن هنالك استعدادات داخلية أيضاً لاختلاف المصالح والأهداف.. الثقافة تبقى ثقافة قد يلتقطها السياسي، وقد لا يلتقطها، ولكن إذا كان السياسي له أهداف تتعارض مع أهداف السياسي الآخر، وله مرجعيات تختلف فيما بينها، إذا الشقاق كان وارداً وسيبقى قائماً حتى تحقيق أحد أمرين، إما أن تتخلى عنا مرجعياتنا في الخارج أو نتخلى عنها.

 

* هل الثقافي من الممكن أن يلعب دوراً في تحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال نشر مفاهيم ثقافية وطنية بحتة؟

- في كل البيئات نعم، ولكن هنا المثقف لا ينشر مفاهيم ولا يجرؤ، لأنه محارب، ومكبل ويزعم بكل قوة أن حرية الثقافة والسياسة والإبداع غير موجودة الآن في فلسطين مع ادعائها من الفريقين.. كل يدعي حرية مطلقة، ولكن لو أنني أكتب مقالاً أهاجم فيه رمزاً من رموز السلطة في رام الله أو في قطاع غزة.. أيمر الأمر ؟!.. لن يمر.. إذا لن أكتب، وقد رأينا بعض اللذين عوقبوا على هذه الخلفية، وهنا تكون الإجابة على السؤال أن الثقافي مكبل ولا دور له بشكل واضح.

 

* كيف يمكن النهوض بالمشهد الثقافي الفلسطيني وتجاوز هذه الأزمة؟

- النهوض يعود إلى العلاقة بين السياسي والثقافي إذا استقر الواقع السياسي.. المشهد الفلسطيني الآن في داخله طاقات كبيرة جداً وجياشة، وتريد المنبر الذي تتفجر فيه لتعبر عن نفسها، وأعدك، كما أعلم بخبرتي كناقد، أنه في حال استقرار أو طمأنينة للمثقفين سيعالجون هذه المرحلة التي نعيشها وسيلعنوها، أما الآن فلا يجرؤ أحد.. سنحاكم هذه المرحلة ونحكم عليها وعلى رموزها حينما تنقضي ونصل إلى بر الأمان السياسي، لأن الثقافة دائماً والحضارة الأعم تنشأ من الثقافة، فإذا كانت الثقافة موجودة، وكان الأمن السياسي والاقتصادي موجوداً تنطلق الحضارة، وإذا غاب ضلع من الأضلاع فهنالك قصور قد يكون واضحاً.. الآن يغيب الأمن السياسي والاقتصادي والمشهد الثقافي يعاني ولا يستطيع أن يعبر عن نفسه لغياب الضلعين الآخرين.


المصدر/ نشر في مجلة البيادر السياسي.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-